من ذاكرة المحسنين
23-03-2019
الشيخ محمود عبد الرضا الصافي
من ذاكرة المحسنين
بعد الحمد والثناء والصلاة والسلام على خير سادات اهل الأرض نبينا المصطفى وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم اجمعين من البدء والى قيام يوم الدين وبعد.
من المؤكد ان الاحسان صفة ممدوحة ولها اثرها وسط الناس, تعكس لصاحبها الحب والمودة لجميع من يلتقي بها ويصادفها؛ لكونه من المحسنين في نظر الناس وفي نظره ان هو الا خادم وناكر لذاته.
وانا اكتب هذه السطور أتذكر فيها شخصية عرفتها عن طريق معرفة والدي الشيخ الصافي به (رحمه الله) حيث كان يجالسه ويتردد عليه حتى اصبح صديقا لي بعد استشهاده رغم ان فارق العمر بيننا كبير.
ولكن عرفته رجلا مؤمنا تقيا محسنا فاضلا تاليا للقرآن مواليا لأهل البيت D متواضعا.
وانا أؤكد دائما على هذه الصفة وهي صفة الاحسان لما رأيته منه دون ان اسمع عنه من الاخرين.
الا وهو السيد محمد علي يوسف الاشيقر (رحمه الله تعالى) حيث رأيت فيه الزهد من الدنيا وعدم الاهتمام بها ولكن من ناحية التدين فكان (رحمه الله) ملتزما لصلاة الجماعة رغم كبر سنه وضعف بدنه حيث كان مواظبا عليها ولا يتركها.
بل كان (رحمه الله تعالى) ملازمة لسنة جده رسول الله J وامير المؤمنين A حيث يدخل كل مسجد يصلي فيه ركعتين قربة الى الله تعالى وهذا مشهود له عند الجميع.
وكان يصلي خلفي بعض الأوقات في جامع الامام الحسين A الواقع في حي رمضان.
ومن ثم يعرض عليّ ان يوصلني الى منزلي عندما كنت اسكن في حي المعلمين.
وبهذه المسافة القصيرة يمر بي في عدة مساجد موجودة على الطريق او في الافرع مستأذنا مني للصلاة فيها فكنت امتثل له بالقبول وانزل معه واصلي ركعتين قربة الى الله تعالى.
وفي بعض الأيام التفت اليه فوجدته يصلي في بعض المساجد وانا معه عدة صلوات في عدة أماكن في المسجد.
فسالته: لماذا تصلي في أماكن مختلفة من المسجد؟
فقال لي (رحمه الله تعالى): اعلم ان كل ركن من اركان المسجد يشهد لك يوم القيامة فتنال ثوابا اكثر.
لقد تعلمت منه الكثير وصاحبته مدة طويلة منذ عام 1994م وحتى وفاته فكان لي أستاذا ومربيا (رحمة الله تعالى عليه).
كنت موضع ثقته حيث اسند الي امر طباعة كتبه التي الفها واقترحت عليه ان اجمع كل مجموعة تحت عنوان واحد وراقت له فكرتي واقتراحي, فعملت على جمع مجموعة منها تحت عنوان (من شهداء الثورة الحسينية).
فكانت شخصياتها هم: مسلم بن عقيل، وأبو الفضل العباس C، والمختار الثقفي.
والمجموعة الثانية تحت عنوان (من طلائع المستضعفين في صدر الإسلام) وشخصياتها هم: سلمان المحمدي، وبلال الحبشي، وأبو ذر الغفاري، بعد التحقيق والتدقيق لها.
كذلك اقترحت عليه ان يكتب شيئا عن الامام الحسن السبط A.
فكتب (الامام الحسن A رائد السلام في الإسلام) وهو كتاب مطبوع أيضاً.
وعملت معه فلم اجد فيه شيئا من التأخير اذا أراد فعل شيء.
فكان ملتزما في انجاز عمله رغم كل مشاغل الحياة, وكان (رحمه الله تعالى) له اليد الطولى في الانفاق على الكثير من المحتاجين والكثير من المشاريع الخيرية التي يشعر بأن فيها اجرا وثوابا, ساعيا لها دون تأخير وبلا تلكؤ, يعطي الفقير ويساعد المسكين فكان مثالاً واضحاً وشخصية معروفة بهذا الاتجاه لدى أصحابه وأهالي مدينة كربلاء المقدسة أيضاً.
وقد تعلمت منه الكثير الكثير وكلي فخر بانه كان معلمي (رحمة الله تعالى عليه) وافتخر أيضا بأني اكتب هذا النزر اليسير من سيرته مبينا ما رأيته منه لا ما سمعته عنه، لكثرة ترددي عليه، ورأيت منه الكثير بما يملأ صفحات عن سيرته وحياته.
فكان رجلا كاتبا ومطالعا للصحف ومتابعا للأخبار وأيضا له دور في احياء ذكر الماضين من اقرانه العلماء والخطباء والادباء والشخصيات الدينية والعالمية أيضا.
وكان (رحمه الله) يحمل معه دفترا يدون فيه أسماء ما يتذكره من أصدقائه واصحابه الذين عاصرهم والذين لم يذكرهم الذاكرون لغرض قراءة سورة الفاتحة على ارواحهم.
وكان في بعض الأيام يسألني عن بعض الأشخاص الذين غاب ذكرهم عنه فكنت اعرفه بهم.
فكنت أسأله عن هذا الامر فيقول لي (رحمه الله تعالى): انه يذكرهم حتى يذكروه واذا مات يذكره المؤمنون أيضاً.
فرحمه الله تعالى كان رجلا محسنا ومنشغلا بهذه الاعمال ولا يذكر أحدا بسوء او غيبة, ولكن يذكرهم بقراءة سورة الفاتحة على ارواحهم. وفي يوم من الأيام سألته عن عدد هؤلاء الذين ذكرهم في هذا الدفتر؟ فقال لي وقتها: اصبح العدد (557) شخصية انا اذكرهم في الليل والنهار قربة الى الله تعالى.
فحقا كانت هذه صفات المحسنين والحمد لله رب العالمين.