لجنة إغاثة المهجرين في العتبة العباسية المقدسة صفحة مشرقة في تاريخ الإنسانية
30-12-2018
طارق الغانمي
أخذت العتبات المقدسة في مدينة كربلاء المشرفة على عاتقها مهمة إيواء النازحين والمهجرين من كافة المناطق العراقية؛ نتيجة الظروف الصعبة التي يمر بها البلد, وهو من واجبها باتجاه المظلومين إيواء ونقل وتوفير الطعام والملبس والمشرب، وكافة المستلزمات التي تحتاجها العائلة النازحة, بعد أن تم تهجيرهم على خلفيات طائفية، والاستيلاء على منازلهم وممتلكاتهم.
وكعادتها دائماً كانت أول المبادرين, وانطلاقاً من واجبها الأخلاقي المُراعي لتوجيهات المرجعية الدينية العُليا في الوقوف مع العوائل النازحة موقفاً إنسانياً؛ شكلت العتبة العباسية المقدسة لجنة مختصة طارئة من كافة أقسامها لإعانة وإغاثة المهجرين, والعمل على تهيئة مستلزماتهم المكانية والمعيشية وضمن إمكانياتها المتاحة التي سخرتها لاستقبال العوائل المهجرة من المحافظات الشمالية وخاصة محافظة نينوى وصلاح الدين، التي هجر أهلها وسكانها لأسباب طائفية ومذهبية، وقد عانت تلك العوائل معاناة كبيرة منذ اللحظات الأولى لترك منازلها وحتى وصولها إلى مدينة كربلاء المقدسة.
صدى الروضتين التقت بالسيد (عبد الرحمن العلوي) نائب رئيس لجنة إغاثة المهجرين في العتبة العباسية المقدسة, ليتحدث قائلاً عن تأسيس هذه اللجنة:
شكلت العتبة العباسية المقدسة لجنة إغاثة وإعانة المهجرين والنازحين في بداية تهجير العوائل العراقية في شهر شعبان الماضي, وسخرت كل طاقاتها وإمكانياتها لخدمة هذه العوائل.
وتتكون اللجنة من سبعة أشخاص أخذوا على عاتقهم تحمل كافة المسؤولية لإعانة وإغاثة المهجرين برئاسة السيد (نافع الموسوي). اللجنة تعمل ليلاً ونهاراً من أجل التخفيف عن كاهل العوائل، وضمن إمكانياتها المتيسرة التي سخرت الجزء الأكبر منها لخدمتهم، حيث تعمل على توفير الغذاء والمسكن والرعاية الصحية لهم بالتعاون مع بعض الجهات الساندة لها من الأهالي ودائرة صحة المحافظة.
وإن المهجرين يتوزعون على عدة أماكن، منها مدن زائري العتبة المقدسة, والحسينيات في داخل وخارج مدينة كربلاء المقدسة, فضلاً عن بعض البيوت التي تبرع بها بعض الأهالي من أجل إيواء هذه العوائل, إضافة إلى فندقين.
هذه المسؤولية وقعت على كافة أقسام العتبة المطهرة, وهي في حالة إستنفار كامل لخدمة النازحين: كقسم حفظ النظام, والآليات: وقسم الخدمية, والمضيف, والعلاقات العامة, فهم بذلوا جهوداً مضاعفةً واستثنائيةً من أجل تقديم وإيصال الخدمات للعوائل المهجرة، والتي قامت العتبة المقدسة باستقبالها منذ بدء الأعمال الإرهابية التي طالت مناطقهم في نينوى، وكركوك، وصلاح الدين، مما اضطرها للنزوح إلى محافظة كربلاء المقدسة.
بدأت اللجنة ممارسة عملها في استقبال النازحين وإيوائهم، وتوفير السكن إليهم بالتنسيق والتعاون مع اصحاب الحسينيات والجوامع والمواكب الحسينية في مدينة كربلاء المقدسة, كما أخذت اللجنة على عاتقها توفير الغذاء إلى العوائل النازحة من خلال تجهيزهم بوجبات جاهزة يومياً، بواقع وجبتي فطور وسحور خلال شهر رمضان، ووجبة (غداء) لكبار السن والأطفال.
وبعد نهاية شهر رمضان، تم تجهيزهم بوجبتين أيضاً (غداء وعشاء), فضلاً عن تجهيزهم بالمواد الغذائية والمياه المعقمة, والثلج وحليب الأطفال, والحليب السائل, وجلب الفرق الصحية للإطلاع على أوضاعهم... واستمر العمل بهذه الطريقة إلى أن تغيرت إستراتيجية العمل نتيجة لكثرة توافد النازحين والمهجرين إلى مدينة كربلاء المقدسة, فتم تحويل هذه المؤن إلى أرزاق جافة، وتوزيعها بشكل منتظم على العوائل المهجرة.
صدى الروضتين: ما هي آلية استقبال العوائل المهجرة؟
تعمل اللجنة على تسجيل أسماء المهجرين وإدخالها في قاعدة بيانات خاصة بهم، ليتم بعدها إيواؤهم في الأماكن التي تم حجزها لهم مسبقاً (حسينيات – مواكب - بيوت)، ومن ثم نباشر بتوفير المستلزمات الحياتية الخاصة بهم: كتجهيز المأوى بالإنارة والتبريد وغيرها من المستلزمات.
ويتم استقبال العوائل المهجرة في مقر عمل اللجنة في مجمع العسكري عليه السلام التابع إلى العتبة العباسية المقدسة, وتوزع عليهم استمارة لملئ المعلومات فيها, وأخذ أسمائهم وبياناتهم وأرقام هواتفهم, ومن ثم يذهبون إلى مضيف العتبة العباسية المطهرة, لتصرف لهم هوية شهرية, وعلى ضوء هذه الهوية يتم مراجعتهم إلى لجنة إغاثة المهجرين؛ ليستلموا تجهيزاتهم الغذائية والعينية مباشرة من نفس المكان.
أما عمل اللجنة فهو في حالة تواصل من الصباح إلى المساء, وحتى بعد الانتهاء من الدوام الرسمي, ولديهم الرغبة الكبيرة لخدمة أبناء وطنهم المهجرين قسراً بسبب الارهاب الأعمى.
كما لدينا ورشة عمل في مضيف العتبة العباسية المقدسة الخارجي تقوم بتجهيز (السلة الغذائية) ونقلها إلى موقع التوزيع, وقمنا في السابق بعدة جولات ميدانية نوزع خلالها بالإضافة إلى الارزاق الجافة, (حفاظات الاطفال), وحليب الاطفال, ومبردات, وطباخات, و(التنور الغازي), حسب ما تحتاجه العوائل النازحة.
صدى الروضتين: هل لديكم جهات أخرى تشترك بالعمل معكم لإعانة المهجرين؟
لدينا تنسيق مشترك مع الإخوة في العتبة الحسينية المطهرة, فقد أخذوا على عاتقهم إعانة العوائل المهجرة على طريق (كربلاء - النجف), ونحن أخذنا عدة محاور منها محور (كربلاء - بابل), ومحور (كربلاء - بغداد), وطريق (ناحية الحسينية), والعوائل النازحة على طريق (شارع أحمد الوائلي), بالإضافة إلى مركز المدينة, وبعد توجيهات سماحة السيد الأمين العام (دام عزه) استقبلنا مركز ناحية مدينة (طويريج), ومركز قضاء مدينة (المسيب) التي تبعد حوالي ثلاثين كيلو متر شمال مدينة كربلاء المقدسة.
صدى الروضتين: كم يبلغ عدد العوائل النازحة التي تشرف عليها اللجنة؟
يبلغ عدد العوائل النازحة أكثر من (25,000) نازح بما يقارب أكثر من (7000) عائلة مهجرة, وكل هذه العوائل نزحت من مدن الموصل, وصلاح الدين, وجرف الصخر, وديالى, وقسم من العاصمة بغداد من المناطق الساخنة مثل: اللطيفية واليوسفية.
صدى الروضتين: هل لديكم تنسيق مع دوائر الدولة؟
التنسيق مع دوائر الدولة كان منذ اليوم الأول، فلدينا متابعة مستمرة مع بعض هذه الدوائر: كدائرة الهجرة والمهجرين والصحة, والتربية والكهرباء, ودائرة الماء والبلدية, وغيرها من الدوائر الخدمية... كما حصل تنسيق مع الدوائر الأمنية في مدينة كربلاء المقدسة لأخذ الحيطة والحذر الأمني الخاص بالمدينة, وشجعنا كثيراً النازحين على مراجعة دوائر الدولة الأمنية؛ لغرض أخذ المعلومات الكافية للمحافظة على أمن المدينة. كما قامت اللجنة بعملية جرد وإدخال البيانات, والاتصال مع الأجهزة الامنية لنعطيهم كافة المعلومات التي حصلنا عليها؛ ليتسنى لهم الإجراء اللازم للحفاظ على أمن هذه العوائل, وأمن المحافظة, والخوف من المندسين مع هذه العوائل.
صدى الروضتين: مع اقتراب شهر محرم الحرام, ما هي الاجراءات المتخذة لاستقبال الزائرين؟
نحن الآن بصدد وضع خطة خاصة بالتنسيق مع كافة الجهات؛ لأننا مقبلون على زيارة مليونية كبيرة, ومقبلون على شهر (محرم الحرام), ويأتي سنوياً لهذه المدينة ما يقارب العشرين مليون زائر, فالحسينيات والمساجد التي تسكن فيها العوائل المهجرة تعيق عملية إيواء الزائرين، لذلك نطالب بحل هذه المشكلة بأسرع وقت ممكن.
صدى الروضتين: هل يوجد تبرعات خارجية لإعانة المهجرين؟
نعم، يوجد أناس متبرعون, وتوجد منظمات إنسانية؛ كمنظمة الهلال الأحمر, ومنظمات الإغاثة الأخرى.
صدى الروضتين: ما هي النشاطات الأخرى التي قامت بها اللجنة؟
قامت اللجنة وبالتعاون مع دائرة الهجرة والمهجرين فرع كربلاء المقدسة بتوزيع وجبات من الِمَنح المالیة والبالغة ملیون دينار للعوائل النازحة. كما قامت بتوزيع كسوة عيد الفطر المبارك على أطفال العوائل المهجّرة والمسجّلة لديها ممّن يستحقّون الرعاية والاهتمام. وتمّ توزيع هذه الكسوة بهدف إدخال البهجة والسرور إلى نفوس هذه الشريحة، ومشاركتهم فرحة العيد التي سلبها منهم أعداء الله والإنسانية.
وشملت هذه الكسوة ملابس وحاجات خاصة بالأطفال، وزعت على أكثر من(1000) طفل من العوائل التي استقبلتها العتبة العباسية المقدسة، والساكنة حالياً في مدن ومجمّعات الخدمة التابعة لها، فضلاً عن المواكب والحسينيات المنتشرة داخل مدينة كربلاء المقدسة، والطرق المؤدية اليها بمحاورها الثلاثة (بغداد – بابل – نجف). كما استطاعت اللجنة بمساعدة أهل الخير توفير كافة مستلزمات الزواج للشباب النازحين من أثاث وملابس وحجز فندقي وغيرها من الأمور.
صدى الروضتين: كلمة أخيرة؟
من خلال عملنا في هذه اللجنة نلاحظ علامات الشكر والامتنان على وجوه العوائل المهجرة إلى العتبات المقدسة؛ لأنها الجهة الوحيدة التي آوتهم واحتضنتهم وقدمت لهم كافة الخدمات, وهذا واجبنا باتجاههم تلبية لنداء المرجعية الدينية العليا بخصوص (فتوى الجهاد الكفائي).
وأخيراً.. أقدم شكري وامتناني لصدى الروضتين؛ لأن دور الإعلام مهم جداً في هذا المجال, وأتمنى أن يأخذ دوره بشكل جيد لكي يسلط الضوء أكثر على مسألة النازحين في مدينة كربلاء المقدسة, حتى يمكن نشرها ويصل صداها إلى مستوى المنظمات العالمية؛ لكي تتمكن من اغاثتهم.