المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تُشير الى خطورة حدوث الفوضى وضياع حقوق الآخرين عند عدم الشعور بالمسؤوليّة
30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا تُشير الى خطورة حدوث الفوضى وضياع حقوق الآخرين عند عدم الشعور بالمسؤوليّة على مستوى الفرد والمجتمع...
أشارت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا في النجف الأشرف الى أهمّية أن يتحلّى كلّ إنسان بمبدأٍ اجتماعيّ وتربويّ مهمّ في حياة الفرد والمجتمع، ألا وهو مبدأ الشعور بالمسؤوليّة، وأوضحت أنّ الالتزام بالمواثيق والوعود للآخرين يساهم في ازدهار وتقدّم الأمّة على المستوى الاجتماعي والسياسي، جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف ظهر يوم (27 ذي القعدة 1439هـ) الموافق لـ(10 آب 2018م)، وكانت بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزّه) وهذا نصّها:
مبدأ الشعور بالمسؤوليّة، هذا المبدأ في الواقع هو من المبادئ الفطريّة، بل هو مبدأ فطريّ، ومبدأ مكتسب في الحقيقة، المبادئ الفطريّة التي أودعها الله تعالى في كثيرٍ من عباده، وذلك لتقدّم مقدّمة مهمّة من مهمّات التكليف الإلهيّ، الإنسان مكلّف بأداء الواجبات والابتعاد عن المعاصي والمحرّمات، وأن يكون لديه شعور بأنّه مسؤول عن أعماله وأفعاله وسلوكه أمام الله تعالى، وأنّ هناك محاسبة وثواباً وعقاباً، هذا الشعور يدفعه ويحرّكه نحو الالتزام بالتكليف الإلهي، وهذا الشعور هو الذي يدفعه للنهوض بالأعباء الاجتماعيّة والمادّية تجاه نفسه وتجاه أسرته وتجاه أصحابه، وهذا الشعور هو الذي يدفعه لمراعاة نظام الحقوق والواجبات، هناك حقوق للآخرين عليه وهناك واجبات عليه، وهذه الحقوق أداؤها فيه المشقّة وفيه كلفة، كيف أؤدّي وألتزم بهذه الحقوق للآخرين عليّ وأؤدّي الواجبات التي عليّ للآخرين، لابُدّ أن يكون لديّ شعور بالمسؤوليّة، النهوض بالأمّة والارتقاء بالأمّة بالازدهار بالتقدّم بتغيير الواقع المعاشي إنّما يأتي من الشعور الحيّ بالمسؤوليّة، والالتزام بالمواثيق والوعود للآخرين إنّما يأتي بالشعور بالمسؤوليّة.
هذا المبدأ موجود عند كلّ إنسان، الله تعالى أودعه في كلّ إنسان في فطرته، نعم.. تأتي المؤثّرات الخارجيّة والبيئة تنمّي وتحفّز هذا الشعور أو تُضعف هذا الشعور، وهو موجود في أصل خلقة الإنسان، لكن أحياناً لا تتوفّر البيئة التي تُحافظ على هذا الشعور وتجعله فاعلاً مؤثّراً فيضعف وينعدم، وتصبح لدى الإنسان روح الاتّكال وروح الكسل والتراخي وعدم القيام بالواجبات أمام الآخرين.
ضعف الشعور عند الفرد بالمسؤوليّة، وروح الاتّكال والتواكل على الآخرين، نفسية إلقاء اللوم على الآخرين يؤدّي الى مجموعة من السلبيّات الخطيرة على مستوى الفرد والمجتمع، منها حلول الفوضى: -مثلاً- أنا إنسان لا أشعر بالالتزام بالمسؤوليّة في حفظ النظام والمسؤوليّات الاجتماعيّة والفرديّة والمجتمعيّة والسياسيّة تجاه الآخرين، فيؤدّي ذلك الى حدوث الفوضى، ويؤدّي الى ضياع حقوق الآخرين، ويؤدّي الى تراجع الأمّة وتخلّفها واضطراب أمورها؛ لأنّ الفرد ولأنّ المؤسّسة لا تشعر بالمسؤوليّة بالنهوض والتقدّم بهذا المجتمع، حينئذٍ هذه الأمّة أو هذا الفرد يتخلّف ويرجع الى الوراء، لذلك يجب أن يكون لدينا هذا الشعور وهذا المبدأ لأهمّيته في حياة الفرد والمجتمع، وقد أكّدت الآيات القرآنيّة وهي دائماً تنبّه وتحاول الحفاظ على هذا المبدأ الفطريّ.. عددٌ من الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة تبيّن هذا المبدأ، وتحاول الحفاظ عليه، الله تعالى يُقسم: ((فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ))، الله تعالى يقول الجميع سوف يُسأل، سواءً كانت عليه التزامات لبقيّة المخلوقين أم لا.
وفي آيةٍ أخرى: ((وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)) حتى يُسأل كلّ إنسان عن هذه الأعمال التي هو مكلّف بها والتي صدرت منه، وفي الحديث المشهور لدى الجميع: ((كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّته)) ماذا نفهم من هذا الحديث؟ أنّ كلّ إنسان في هذا المجتمع مسؤول، وإنّ كلّ إنسان لديه رعيّة، وهكذا في كلّ نواحي المجتمع الإنسان يكون مسؤولاً عن رعيّته.
نحن هنا لابُدّ أن نبيّن ما هو المطلوب في الوقت الحاضر؟ من أهمّ الأمور التي يعتمد عليها الفرد والتي يحتاج اليها هي ثقافة الشعور بالمسؤوليّة، هذه الثقافة هي التي لابُدّ أن تكون الشائعة والمنتشرة بين الناس.
الآن ما هي المحرّكات والمناشئ لتفعيل هذه الثقافة والمبدأ؟ في الواقع هناك عدّة محرّكات ومناشئ لابُدّ أن نحصل عليها لكي ننمّي هذا الشعور، الأوّل هو المحرّك الداخلي والفطرة السليمة والضمير الحيّ والوجدان النقيّ، هذه الأمور إن بقيت داخل الإنسان تنمّي هذا الشعور وتدفعه الى الخير والامتناع عن الشرّ.
المحرّك الآخر أيضاً المهمّ أن يمارس المجتمع دوره في المحاسبة والمراقبة، كيف يكون ذلك؟ حينما يكون لدينا إنسان له تأثيرٌ اجتماعيّ، ويلاحظ على الآخرين الأخطاء ينبّههم على هذه الأخطاء.
نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لما فيه رضاه، وأن يأخذ بأيدينا الى ما فيه الخير إنّه سميعٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.