بيانُ المرجعيّة الدينيّة العُليا حول الانتخابات النيابيّة العراقيّة...‏

30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
بيانُ المرجعيّة الدينيّة العُليا حول الانتخابات النيابيّة العراقيّة...‏
أصدرت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا بياناً بيّنت فيه موقفها من الانتخابات ‏البرلمانيّة العراقيّة، جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة ‏الجمعة ‏المباركة التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف هذا اليوم ‏‏(17شعبان 1439هـ) الموافق لـ(4آيار 2018م) والتي كانت ‏بإمامة ‏سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزّه) وهذا نصّه: ‏
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، يسأل الكثير من المواطنين الكرام عن موقف ‏المرجعية الدينية العليا من هذا الحدث السياسي ‏المهم، وبهذا الصدد ينبغي بيان أمور ‏ثلاثة: ‏
أوّلاً: لقد سعت المرجعيّةُ الدينيّةُ منذ سقوط النظام الاستبدادي السابق في أن يحلّ ‏مكانه نظامٌ يعتمد التعدّدية السياسيّة والتداول السلميّ ‏للسلطة عبر الرجوع الى ‏صناديق الاقتراع، في انتخابات دوريّة حرّة ونزيهة؛ وذلك إيماناً منها بأنّه لا بديل عن ‏سلوك هذا المسار في ‏حكم البلد إن أُريد له مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة، ‏ويحظى بالتقدّم والازدهار، ويحافظ فيه على قيمه الأصيلة ومصالحه ‏العليا. ‏
ومن هنا أصرّت المرجعيّةُ الدينيّة على سلطة الاحتلال ومنظّمة الأمم المتّحدة ‏بالإسراع في إجراء الانتخابات العامّة؛ لإتاحة الفرصة ‏أمام العراقيّين لتقرير مستقبلهم ‏بأنفسهم، من خلال اختيار ممثّليهم المخوَّلين بكتابة الدستور الدائم وتعيين أعضاء ‏الحكومة العراقيّة. ‏
‏ واليوم وبعد مرور خمسة عشر عاماً على ذلك التاريخ لا تزال المرجعيّة الدينيّة عند ‏رأيها من أنّ سلوك هذا المسار يُشكّل -من حيث ‏المبدأ- الخيار الصحيح والمناسب ‏لحاضر البلد ومستقبله، وأنّه لابُدّ من تفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام ‏الاستبدادي ‏تحت أيّ ذريعة أو عنوان. ‏
‏ ولكن من الواضح أنّ المسار الانتخابي لا يؤدّي الى نتائج مرضية إلّا مع توفّر عدّة ‏شروط، منها: أن يكون القانون الانتخابي عادلاً ‏يرعى حرمة أصوات الناخبين، ولا ‏يسمح بالالتفاف عليها. ومنها: أن تتنافس القوائم الانتخابيّة على برامج اقتصاديّة ‏وتعليميّة وخدميّة ‏قابلة للتنفيذ بعيداً عن الشخصنة والشحن القومي أو الطائفي ‏والمزايدات الإعلاميّة. ومنها: أن يُمنع التدخّل الخارجي في أمر ‏الانتخابات سواء ‏بالدعم المالي أو غيره، وتُشدّد العقوبة على ذلك. ومنها: وعيُ الناخبين لقيمة أصواتهم ‏ودورها المهمّ في رسم ‏مستقبل البلد، فلا يمنحونها لأناسٍ غير مؤهّلين إزاء ثمنٍ بخس ‏ولا اتّباعاً للأهواء والعواطف أو رعايةً للمصالح الشخصيّة أو ‏النزعات القَبلية أو ‏نحوها. ‏
ومن المؤكّد، إنّ الإخفاقات التي رافقت التجارب الانتخابيّة الماضية من سوء استغلال ‏السلطة من قبل كثيرٍ ممّن انتُخِبوا أو تسنّموا ‏المناصب العُليا في الحكومة، ومساهمتهم ‏في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة، وتمييز أنفسهم برواتب ‏‏ومخصّصات كبيرة، وفشلهم في أداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة ‏لأبنائه، لم تكن إلّا نتيجة طبيعيّة لعدم تطبيق ‏العديد من الشروط اللازمة عند إجراء ‏تلك الانتخابات، وهو ما يلاحظ -بصورة أو بأخرى- في الانتخابات الحاليّة أيضاً، ‏ولكن يبقى ‏الأمل قائماً بإمكانيّة تصحيح مسار الحكم وإصلاح مؤسّسات الدولة من ‏خلال تضافر جهود الغيارى من أبناء هذا البلد واستخدام سائر ‏الأساليب القانونيّة ‏المُتاحة لذلك.‏
ثانياً: إنّ المشاركة في هذه الانتخابات حقّ لكلّ مواطن تتوفّر فيه الشروط القانونيّة، ‏وليس هناك ما يُلزمه بممارسة هذا الحقّ إلّا ما ‏يقتنع هو به من مقتضيات المصلحة ‏العُليا لشعبه وبلده، نعم.. ينبغي أن يلتفت الى أنّ تخلّيه عن ممارسة حقّه الانتخابي ‏يمنح فرصةً ‏إضافيّة للآخرين في فوز منتخبيهم بالمقاعد البرلمانيّة، وقد يكونون ‏بعيدين جداً عن تطلّعاته لأهله ووطنه، ولكن في النهاية يبقى قرار ‏المشاركة أو عدمها ‏متروكاً له وحده وهو مسؤول عنه على كلّ تقدير، فينبغي أن يتّخذه عن وعي تامّ ‏وحرصٍ بالغٍ على مصالح البلد ‏ومستقبل أبنائه. ‏
ثالثاً: إنّ المرجعيّة الدينيّة العُليا تؤكّد وقوفها على مسافة واحدة من جميع المرشّحين ‏ومن كافة القوائم الانتخابيّة، بمعنى أنّها لا تُساند ‏أيّ شخص أو جهة أو قائمة على ‏الاطلاق، فالأمر كلّه متروكٌ لقناعة الناخبين وما تستقرّ عليه آراؤهم بعد الفحص ‏والتمحيص، ومن ‏الضروريّ عدم السماح لأيّ شخص أو جهة باستغلال عنوان ‏المرجعيّة الدينيّة؛ للحصول على مكاسب انتخابيّة، فالعبرة كلّ العبرة ‏بالكفاءة ‏والنزاهة، والالتزام بالقيم والمبادئ، والابتعاد عن الأجندات الأجنبيّة، واحترام سلطة ‏القانون، والاستعداد للتضحية في سبيل ‏إنقاذ الوطن وخدمة المواطنين، والقدرة على ‏تنفيذ برنامج واقعيّ لحلّ الأزمات والمشاكل المتفاقمة منذ سنواتٍ طوال.‏
والطريق الى التأكّد من ذلك هو الاطّلاع على المسيرة العمليّة للمرشّحين ورؤساء ‏قوائمهم؛ لتفادي الوقوع في شِباك المُخادِعين من ‏الفاشلين والفاسدين، من المجرَّبين أو ‏غيرهم. ‏
نسأل الله العليّ القدير أن يأخذ بأيدي الجميع الى ما فيه خير البلاد وصلاح العباد إنّه ‏وليّ ذلك وهو أرحم الراحمين.‏