المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: التاريخ يُعيد نفسه..

30-12-2018
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: التاريخ يُعيد نفسه.. المجتمعات في كثيرٍ من ‏الحالات لا تحبّ الناصح الذي لا غرض له إلّا الهداية...‏
‏ أوضحت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا أنّ التاريخ يعيد نفسه في مجتمعنا، ‏وبيّنت أنّ المجتمعات في كثيرٍ من الحالات لا تحبّ الناصح الذي ‏لا ‏غرض له إلّا الهداية، والمأمون في النصيحة لا يعرف الغشّ حتّى لو ‏اتُّهِم جزافاً. جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة ‏المباركة ‏التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف اليوم الجمعة (10شعبان ‏‏1439هـ) الموافق لـ(27نيسان 2018م) وكانت بإمامة ‏سماحة السيد ‏أحمد الصافي (دام عزُّه) وهذا نصّها:‏
إخوتي أخواتي.. قال الله تبارك تعالى في سورة الأعراف: بسم الله الرحمن الرحيم ‏‏"وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ ‏إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (65) قَالَ ‏الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا ‏قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ ‏وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ ‏نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)".‏
‏ هذا المطلب المهمّ، وهي هذه المحاورة التي حدثت بين الناصح الأمين وبين قومه ‏ومن عاش معهم، القرآن الكريم يتكلّم عن بعض ‏القواعد بمنتهى الروعة، وأنا قلتُ ‏عندما نذكر هذه الآيات في الخطبة الثانية ليس المقصود هو التفسير الحرفي، وإنّما ‏نطلّ على هذه ‏الآية، وكأنّنا نعيش مع قوم هود، ونستمع لما جرى ما بين هود وبين ‏أتباعه.‏
‏ التاريخ يعيد نفسه، فهذه المجتمعات دائماً ومجتمعاتنا أيضاً ومجتمعات غيرنا أيضاً ‏وما يأتي، هناك حالات اجتماعيّة ما بين ناصح ‏وما بين قوم يشترط أن يُنصَحوا، ‏لاحظ العبارات التي استخدمها الناصح والعبارات التي استخدمها القوم.‏
‏ أوّلاً: قال: "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ" لاحظوا هذا التعبير الجميل الوديع، ليس غريباً عنهم ‏بل هو منهم، أخوهم يعرفهم ويعرف طبيعتهم، ‏عاش معهم وأراد الآن أن يوجّه لهم ‏هذه النصائح، وهو نبيّ الله هود؟ (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) لم يقل: ‏اعبدوني، ‏قال: اعبدوا الله، هذه حقيقة أنّي أوجّهكم الى حقيقة أنتم في غفلةٍ عنها، نعم.. ‏ولكن جحدتموها لمصالح، فماذا قال؟ "ما لكم من إلهٍ ‏غيره" على نحو الواقع، فقط هذا ‏الطريق الذي يُنجيكم. ‏
لاحظوا في هذه العبارة، أنّ القرآن الكريم أوّلاً يستعمل (أخاهم)، ثانياً حوار (قال لهم ‏اعبدوا الله)، ثالثاً قد بيّن السلبيّة بأنّه (ما لكم من ‏إلهٍ غيره)، رابعاً على نحو الحثّ ‏‏(أفلا تتّقون)؟ أنتم إذا سمعتموني وأنتم إذا توجّهتم اليه أفلا تتّقون؟. ‏
‏ المجتمعات في بعض الحالات وفي كثيرٍ من الحالات لا تحبّ الناصح: "قال الملأ ‏الذين كفروا من قومه"، لاحظوا أنّ القرآن دائماً ‏يعبّر عن الملأ بالطبقة الراقية، طبقة ‏النفوذ، هؤلاء هم الطبقة المهمّة، هؤلاء سيتضرّرون جزماً، كما قلنا في الخطبة ‏الأولى هؤلاء ‏يصطادون على ضعفاء النفوس وعلى الجهلة، كاهن جالس، وتأتي ‏الناس بهذه الطيّبات والنذور بزعمهم أنّ هذه هي التي تُحيي ‏وتُميت وترزق وتدفع.. ‏إلى آخره.‏
قطعاً الملأ المستفيدون سيعترضون، لاحظوا التّهمة لم يقل: قال القوم، بل الملأ الذين ‏كفروا من قومه، ماذا قالوا؟ (إنّنا لنراك في ‏سفاهة) ولم يقولوا قولوا له إنّه سفيه -‏والعياذ بالله-، إمّا أنت جاهل أو سفيه، طبعاً لبلاغة القرآن عبّر عنها -نراك في سفاهة- ‏ومعنى ‏السفاهة أنّ الإنسان لا يفهم شيئاً، وهذه من أكثر الاتّهامات التي يتحمّلها ‏الأنبياء.‏
‏ ثم قالوا: "وإنّا لنراك في سفاهةٍ وإنّا لنظنّك من الكاذبين"، وهذه تهمةٌ جاهزة على ‏طول الخطّ، يستعملها المتنفّذون للنكاية بالمصلحين، ‏لا يستطيعون أن يسمعوا وأن ‏يقولوا ما دعوتنا اليه حق أو أعدْ علينا لعلّنا نسمع: "قال يا قوم ليس بي سفاهة"، أنا ‏عاقل، أنا مدركٌ ما ‏أقول: "ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين" أنتم لا تعرفون، اسمعوا ‏أصغوا أطيعوا وتعلّموا، ثمّ قال: "أبلّغكم رسالات ربّي" ليس عندي ‏وظيفةٌ أخرى أو ‏مطمع بل: "أبلّغكم رسالات ربّي وأنا لكم ناصحٌ أمين"، وأنا مأمونٌ في النصيحة لا ‏أعرف أن أغشّكم حتّى وإن ‏اتّهمتموني بالسفاهة، لكن أبقى أنا أنصح لكم.‏
‏ في دعاء مكارم الأخلاق الذي قرأناه قبل سنوات، جاء ما مضمونه: "ووفّقني الى مَنْ ‏غشّني بالنُّصح"، أنا أعلم أنّ فلاناً يغشّني، لكنّ ‏تكليفي أن أقابله بالنُّصح، أن أقابل من ‏غشّني بالنّصح، يقولون عنه سفيه أو يقولون عنه كذّاب، هو يقول: لا.. وإنّما أنا ‏ناصحٌ أمين.‏
‏ نسأل الله تعالى أن يرزقنا الأذن الواعية والأذن التي تسمع النصيحة من الناصح ‏الأمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ‏وصلّ اللهمّ على محمد وآله الطيّبين ‏الطاهرين.‏